في العيد…

رأيت خرفانا صارت كالأفاعي تنسلخ من جلدها
سأرتدي كساء الخروف الملطخ بالدماء
وأخرج للحي في موكب رثاء
رؤوس فحمية هنا وهناك
مالي لا أرى القطط اليوم ؟
من سيدلني على جحور الفئران؟
سأجوب الشوارع لوحدي ولماذا الخجل
ومن متى كان الجزار يخجل تمضية السكاكين أمام الأضحية؟

أسماء المدير 🙂

آستنطاق في السينما …

ما آسمك؟ ما عملك؟ ما تهمتك؟
أجيب..
أنا التي كٓتبتُ مشاهد من صنعيَّ،
مٓثلت قصصا خيالية،
صٓنعت أبطالا وهمية وكٓذبت على شخصيات ثٓانوية
أدوارها كانت فرعية
لم تكن قط أساسية.
ها قد بسطت لكم يديَّ.
و في الحكم عليَّ
أرجوكم لا تستنبطو أحكامكم من الأفلام الوثائقية
وجودوا علي بمشهد من سينما الخيال العلمية
ارسلوا لي أحد شخصياتكم الفضائية
لا ترعبني إعداماتكم العلنية
لكن … أريدها على الزُهرة ثاني كواكب المجموعة الشمسية
حقاً قصصي كانت وهمية ، وإن كانت نهايتي حتمية
فإني أشتهي أن تكون هيشكوكية
يقول أحدهم : اسألو ها هل لها من أمنية.. لازال أمامنا قضايا مصيرية
أقول لكم إئتوني ببدلة زيتية فقط لأقيسها ولو لثانية
لطالما كان حلم أبي أن أصير جندية
لكن للأسف أنا سينمائية
أنا من اخترت مساريَّ و رأس مالي أفكاريَّ
يصيح الجلاد : كفانا شِعرية
ناولوها القائمة الإعدامية لتختار طريقة موتها النهائية
أجيب بعزةٍ ولو أنّي أعي مصيريَّ
أعذروني فقائمتكم همجية ولن أختار الموت شنقا، سحقا، غليا، غرقا ، حرقا،خنقا بالغاز ولا رميا بالرصاص
احجزوا لي أحد كراسيكم الكهربائية
وإن لازالت لي عندكم أمنية ثانية
أتوسل أن ترسلوا لي أحد شخصياتكم الفضائية
أريد موتة راقية بالفضاء لا على الجاذبية …

أسماء المدير 🙂

سأحلم

..
سأحلم ولا ثمن لديكم عندي لأستيقظ. سأحلم حتى وإن أصبح الحلم بالمقابل. سأعمل بمصنع الملابس في الحي الصناعي المجاور للبيت بأقل الأجور لأدفع ثمن أحلامي. سأتٓصنّٓع أنني أُجِيد ألة الخياطة وسأُرقّع أحلامي البالية. سأكذب على رب عملي و أخترق قصة وفاة جدتي، وقصة مرض عمي ، وقصة الإبرة التي زُرعت في إبهامي ، وقصة القطار الذي صدم البقرة وقصصا أخرى ..لأتغيب عن العمل .فقط لأن أحلامي لا تنتظر. سأحلم ولن أستيقظ أبدا تمتعوا أنتم يا عمال « الماكينات » بواقعكم المر، تخيطون ملابس الشتاء للأغنياء وأجسامكم عراة، أيديكم باردة ترتعش. تمتعوا بواقعكم المر أما أنا فخيالي الجميل وحده يكفيني. بلغوا رب العمل أني كذبت عليه و سأكذب إن سمح برجوعي للعمل .. بلغوه أن عمله أبله و أيامه تتكرر واليوم الوحيد الأجمل هو يوم الثلاثين من كل شهر، يوم الأجر. بلغوه أن أجره لم يعد يكفيني لتسديد ثمن أحلامي . و أن صوت صفارة الدخول إلى المصنع لم يكن يرعبني بقدر ما كان يتعب أذني، وكنت أهرول فقط حتى لا يقفل الباب في وجهي فأترك ثوب أحلامي المرقع بالداخل.. أخبروه أن صرخات صوته الخشن لم تكن تأكل من خيوط أحلامي شيئا بل كانت فقط ترعب القطط . لا تنظروا لي نظرة المذنب ، أنا لم أقذف أحدا!! لكنني حلمت البارحة أن صاحب المصنع قد طرد رب عملنا هذا. من حقي أن أنتقم لنفسي فأنا قد صدقت حلمي وهو لم يعد رباََ لعملي .. اتركوني وشأني إن شأتم..، بلغوا السلطات عني إن أردتم ستتعبون أنفسكم ، أما أنا …..فسأحلم

أسماء المدير

من له حق الإشتياق؟

وضعت حدا… وطبقت الحد في الاشتياق…

وضعت حدا لآشتياقي لأناس موجودين قريبين ومن السهل ان أكلمهم لكن فقط كبريائي من يمنعني من ذلك، فأضع الكرامة فوق الإشياق وأخاف سلك طريق الذل…

اليوم وضعت حدا لهذا الاشياق المدلل  الجبان، فقط عندما علمت أن هناك أم تشتاق لإبنها الجندي الذي آنقطعت أخباره ، تتفحص علبة الرسائل رغم أنها تعلم أنه يوم أحد، وتنتظر ساعي البريد كل يوم.

وضعت حدا لهذا الإشتياق عندما علمت أن هناك أم تذهب أمام البحر كل يوم لتنتظر جثة آبنها الغريق الذي لم تجُد به قريحة اليمّ بعد .

 وضعت حدا لهذا الإشتياق المتمرد على النفس، عندما علمت أن هناك أم أخرى في الضّفة المجاورة تشتاق لطفلها، فتذهب كل يوم أمام المدرسة في نفس الساعة، تنتظر خروجه و الأطفال وهي تعلم مليا أن سيارة قد دهسته قبل أسابيع، وتلك الأم هي نفسها من دفنته بيديها.

 وضعت حدا لهذا الإشياق الحرباء  عندما علمت ان هناك اخ يدخل غرفته ولايجد أخاه في سريره كالعادة لأنه غيره بسرير أبيض وسط غرفة مصحة   وقد دخل في حرب مع السرطان.

فأين نحن وأين هؤلاء؟ ومن له حق الاشتياق؟

 من يشتاق لك هو من يبحت عنك، هو من يسأل عنك، هو من يتفقد خطواتك رغم أنه يعلم أنك لم تعد هنا! رغم أنه يعلم أنك لم تعد تنتمي إلى عالمه! فلماذا نتعب قلوبنا بالتفكير بأشياء لم تكتب لنا، فلو كانت لنا لبحثت عنا، تلك هي قاعدة الإلاه مالك سيصلك.

فلنكن واقعيين فالواقع المر أجمل بكثير من الوهم الجميل، عندما يكون الفؤاد فارغا فهو يبحث عن أي سبب لينشغل فيجد في الإشتياق ملذه .نوهم أنفسنا بأن العيش مر من دونهم وأن نسيانهم من سابع المستحيلات!!  فلنشتاق للقاء الله سبحانه ولنشغل هدا الفؤاد بالذكر حتى لا يشتاق الا لمن  خلقه ..

اسماء المدير

يدْ مامادُو نظيفة

لا أحد يعرف أصلها ولا من أين أتت !! غريبة الأطوار لم تنطق يوما بكلمة واحدة. كانت تسكن بمحل صغير بحينا، كنت في الثامنة من عمري ولم أتمكن حتى الأن من معرفة سنها. كانت سمراء جميلة، طويلة، نحيفة .شعرها أسود طويل . تشتغل بمحل زوبيدة لخياطة الملابس العصرية و التقليدية. تعشق المظاهر و لا ترتدي إلا آخر ابتكارات صاحبة المحل . كنت أمر عليها كل صباح لا تضحك ولا تبكي تلزم نفس المكان وملامحها لا تتغير. كان يستهويني عالمها. أقف كل يوم أمام المحل فقط لأرى كمية المساحيق التي كانت تضع على وجهها . أمي كانت تمنعني من تجريب المساحيق و تمنعني أيضاً من الإقتراب منها خوفا من فساد أخلاقي .
كلما دخلنا المحل كانت أمي تأمرني بأن ألزم مكاني ، و خصوصا ممنوع لمسها لأنها عصيبة. و عصبيتها يمكن أن تصل بها لأن تتجرد من ملابسها وتسقط أرضا ، ومن المحتمل ان تتناثر أطرافها . حينها ستغضب صاحبة المحل علينا ولن تخيط جلباب أمي قبل يوم عيد الفطر . أترك أمي منهمكة في الحديث على القياسات ونوع الثوب وثمن الخياطة، و أقترب أنا بخطوات متثاقلة و عيني على أمي ، حتى أصل إليها. أول مرة أتمكن من لمسها كانت يداها باردتان وكلتاهما فقدتا الإبهام . حاولت أن أسلم عليها، بسطتُ لها يدي فلم تُمسك بها، بدأتْ ْتتمايل ظننت أنها علامة الإنفعال فتركتها وشأنها وعدت مسرعة لأمسك بجلباب أمي .تبرأت منها ثم نظرت إلى يدي فإذا بها تأخذ لون بشرتها السمراء ، ذهلت و أنا أنظر إلى يدي، خفت و ظننت أن ما أصابني هو بسبب عقوقي لأمي . توسلت لأمي أن تخلصني من الإسمرار الذي علق بيدي.ضربتني ضربا مبرحا ثم غسلت لي يدي. زال الإسمرار أخيراً فرحت و أصبحت أكره كل شيء يميل للأسود. وقّٓعتُ صكّٓ العنصرية مبكرا.
كان أبي له علاقة بأحد الأفارقة المهاجرين السريين الذي آستقر أخيراً بحينا بعد حروب عديدة مع ساكنة الحي منهم من كان يناديه « عزي بوبالي » ومنهم من كان يناديه  » كولدامايير » ومنهم من كان يتفنن في اللغة ويناديه ب « ظْلٓيمة » مشتقة من الظلام. فقط مِّي رقية من كانت تدافع عنه لإنه كان قويا بما فيه الكفاية، وكانت تستعمله في حمل الاثقال بما فيها البوتاغاز ومشتقاتها .  » لي تقالت على الحومة خفافت على مامادو »، آتضح فيما بعد أن كثرة الألقاب كانت شكلا من أشكال الترحيب . المهم الكل أصبح يحب مامادو الذي آتخد له مهنة إسكافي « دٓوّٓرْ مع القايْد » وآستقر في آخر الحي بالموازاة مع محل زوبيدة، و أضحى كسٓانْسيلكْ آثنان في واحد: إسكافي وفي نفس الوقت مْقدّٓم الحومة السّري. تذهب للمقاطعة المجاورة تريد أن تشتكي من أحدهم فيكمل لك القايْد القصة وكأنه كان حاضرا. لا تقلق يا صديقي إنه الإسكافي موسى مامادو ديالو، حمل عنك همك وتوجه قبلك لإبلاغ القايْد .
المهم مامادو رغم تبليغاته المشبوهة كان محبوباً، كنت دائماً كلما رأيته أرمي بمحفظتي بعيدا وأجري نحوه قائلة : مامادو « هْزْنِي » يرميني مامادو لأمتار في السماء بآتجاه نافدة منزلنا في الطابق الأول، أطير حتى تصادف عيني صورة جدي المعلقة في بهو بيتنا ثم أنزل وأنا أضحك لأني أثق بأن يدا مامادوا القويتان ستلتقطانني.

سرعان ما أصبحت أكره يدا مامادو، أضحيت أكبر عنصرية صغيرة في الحي، أرفض مصافحة مامادو ، خوفا من أن يٓعْلق لونُ بشرته بيدي . خفت أن يقع نفس ما حصل لي مع دمية عرض الملابس بمحل الخياطة زوبيدة فتضربني أمي..
أصبحت أختبأ، أٓمرُّ خلسة كي لا أصافح مامادو، وكنت دائماً أراه يطل من ثُقب ثبته على محل زوبيدة مستندا على أدوات مهنته ، كنت دائماً أتسائل لماذا لا يأخد مامادو عطلته الصيفية كباقي تجار الحي ؟ لماذا لا يذهب إلى البحر مع شباب الحي؟
كبرت شيئا ما و علمت أن مامادوا كان متيما بدمية عرض الملابس …

أسماء المدير 🙂

أُمي حبلُ المشنقةِ ٓيرفُضني…


اسمه سمير و يلقب بالدينامو، يطلقون عليه هذا اللقب في حيه لأنه يجيد الدوران على رأسه. حلمه « يدوز فدوزيم « ، تخلى عن حلمه وتبع قلبه . رآها يوما بالسوق المجاور، ظل يتتبعُ خُطاها لسنين،ما فتئ يحصلُ على رقم هاتفها. ظن أنَّه قَدْ آمتلك قلبها، تمهَّل يا صاحْ!!! فتلك فقط أرقامٌ يمكن أن تتغير إن أزعجتها برائحة آهتمامك الزائد. بَاتَ يتحمل تجاهلها على رسائله، وعلى مكالماته. معركة شرسة نشأت بين قلبه وعقله، يتعاهد مع قلبه نهارا أن لا يعاود الكرَّة، أن لا يرسل الرسائل مرَّة أخرى، أبداََ. يُطأطِأ قلبهُ الرَّأس معلناََ الهدنة المؤقتة، تنتهي الهدنة مع غروب الشمس، يثور قلبهُ بالليل مرة ثانية. يتربص الملل بجسده. ينقض الملل أخيرا وقد نال من فريسته…
يصيح الجسد كفاكما شجارا إني سئمت اللعبة. تحاوروا في صمت فالليل خلق للراحة. يتراجع العقل لحكمته قائلا للقلب: ستندم. لا يكترت هذا الأخير، عديم المسؤولية مجرد طفلٍ، طفلٌ يعبث بكل أشياء المطبخ ليصل إلى علبة السكر التي أبعدتها عنه أمه فوق الثلاجة، ليس لغلاوة السكر ولكن خوفا على أسنانه.يبحث صاحبنا بين علب الأدوية عن بعض المسكنات ليطفأ نيران الشجار التي نشأت بين قلبه وعقله.يصيح: أريد أن أنام… ينام الجسد أخيرا، وعين العقل لم تنم. حكمة العقل تُشعره بالمسؤولية بات عليه أن يأخد باله على هذه الوديعة التي وضعت في ذمته، بعد أن تخلى الجسد عن السلطة وقدّٓم آستقالته طوعآٓ. يذكرني العقل بحنان أمي أخاصمها أنا، أتبرأ منها، وتعمل المستحيل لتصالحني.
يفيق الكل في الصباح، القلب معبوس كالعادة،أول شيء يقوم به يتفقد علبة الرسائل الإلكترونية، لم تجب! يتذمر، يبقى كئيبا،لا فطور اليوم، يدخل الجسد في إضراب مفتوحٍ عن الطعام وقد تبرأ من هاته اللعبة.جُلّ وقت النهار يمضي في التفكير، ناعورة العقل تدور بسرعة كبيرة تكاد أن تتوقف. يخاف العقل الحكيم على نفسه من التَّلفْ ، يتدخل بلطف مخاطبا القلب : لنتفاهم بحكمة أيها الحنون …يتصنع القلب الإصغاء.
يقول العقل محاولا إفساد صورتها في ذهنه حتى ينساها قليلا ويفكر في شيء أخر: أنظر إليها وآنظر إليك!! ما يعجبك فيها؟ عجوز، عانس بدينة، أنفها مُسطَّح، قامتها قصيرة، لاتحسن التصرف، رسبت في آمتحاناتها وسببها عنادها…وآنظر إلى قيمتك وجمالك أنت، أنت نبضنا ولولاك لماتت الحياة فينا … يظن العقل المسكين أن سكوت القلب علاماتُ الرضى!! آنتظر الليلٓ يا عقلُ ياحكيمْ ، لترى ثورة العشقِ …عندما ينام من على الأرض من حجر وشجرٍ فقط حينها تعال لتتفرج فأنت مدعوٌّ مسبقاََ… ، في الليلِ فقطْ، تصيرُ تلك التي نعثّٓها بالعانس البدينة، مسطحةِ الأنفِ…شابةََ نحيفةََ طويلةٓ القامةِ، تُحسن التَّصرفْ إلى أبعد الحدود وجمالهٓا كان سراً وراء كل نجاحاتِها.
بعدما حقَّقَت شركاتُ الإتّـصالِ أَضخمَ صَفقاتِهَا على حِسابهِ. وبعد أن جٓرّٓبٓ كُلّ عُروضِ مِدِيتيلْ ، وٓافقت أخيراً اللِّقاء به في الحديقةِ المجاورة لبيته وليس لبيتها … حتى لا يٓرْقُبٓها أٓحد إخوتها، لم تبالي به ،إن يلمحه أحد أفراده أم لا ؟ هذا ليس من شأنها.. هي لم تُرْسل الرّٓسائِل ولم تٓعْشقْ أحدآٓ و من يٓعشقُ يٓتحمّٓلْ…
بهدا الخبر أشعل القلب موسيقى الفرح في الجسد فبات هذا الأخير لا يبالي لا بأكل ولا بشرب. همه الوحيد أن يتزين بأجمل الحلل وأن يرتدي أرقى الثياب وأن يسطفي خيرة الألوان لِلِقاء العمر… أصيب العقل « بالجْلالة » فأصبح يقترح هو كذلك نوع العطر المناسب لِلِّقاء. ومِن متى يا عقلُ كنت تهتم بالمظاهر؟؟؟ عليك أن تبادر بعملية جراحية لإزالة الجْلالة وإلا أُصبت بالعمى الكلي… بات العاشق مستيقظآٓ حتى الصباح… لا أحد من أعضاءه آشكى لحد الأن الكل يُرشح فوز القلب بالرىئاسة وتعيينه قائدآٓ للجسد…
العاشرة صباحا، ها هي تأتي من بعيد.. لم تُتعب نفسها بالتأكد هل هو بالمكان المحدد ينتظرها أم لا ؟ فهي قد رٓأتهُ يمر من أمام منزلها على الساعة السابعة، بعد أن آستيقظت لتُقفل بابٓ البيت وراء والدِها العٓرْبي، أمينُ سوق المدينة القديمة. تتقدم مُصٓعِّرةٓٓ خّٓٓدها وقد آنْتفخت أٓوْداجُها… ولها الحقُّ في ذلك ، فهي لم تعشقْ أحدا لتتواضع ومن يعشقُ يتحملْ…
تجلس هي كالملكة يبقى واقفا ولو لم تسمح له بالجلوس ما جلس، ينظر إليهم المارة من باب رياضة العين،وغرابة لقاءات الصباح.. غريب لقاء الصباح هذا!!! يروا جلوسها هي ووقوفه هو ذلا ودوسا على كرامته، تراه بعض الُمسنات سِحرآٓ، وتراه عينٓا العاشق حُلْما قد تحققْ. فتبّٓٓا لعينٍ بات حلمها لقاءُ شخصٍ لا يهواها. وتبا لكل جسد حلمه « بغا يدوز فدوزيم » …
جلس ثم نظر إلى عينيها وأراد أن يبدأ حلقته الأولى من مسلسل العشق الممنوع، تمهل يا صاح !!! قامت معه بمحضر خفيف،شيء من السين والجيم، من أنت؟ من أين حصلت على رقم هاتفي؟ ماعملك؟
تجاهلته أكثر لما علمت أنه ساعي بريد، علمت أخيرا مصدر كرمه،مصدر الكمِّ الهائل من الرسائل التي كانت تصلها.آستعملت حدسها ثم أرسلت سيالة عصبية إلى آلة حساب عقلها الذي لازال يعمل بجد، طلعت لها النتيجة في ثانية واحدة،النتيجة جد متواضعة، ولن تأهل العاشق للدور الثاني. ساعي بريد +المنزل+ السيارة+ المجوهرات في مدة وجيزة = مهمة مستحيلة… تغيرت ملامحها إلى السلبية من طبيعة الحال. الأحمق يضحك يتبسم، يظن أنه قد ملكها. أريد أن أعرف فقط و بصدق ، من هذا الذي أخرج إشاعة أن السكوت هو علامة الرضى؟ تتفرج عليه وهو يحاول إرضاء ها بأساليب يدوية قديمة، متواضعة.بدأ يظهر كقرد صغير… تقاطعه بملامح وجهها تمهل يا صاح !!! نحن في عصر العولمة ماذا أعددت للقاء الغد؟ متى سنطير إلى بلاد العجائب، لأتعرف عليك جيدا؟؟؟ ماذا تملك غير بركان الحب هدا؟ بدأت عضلات وجهه تتقلص لتعود إلى حالتها الطبيعية، أقصد تلك الحالة قبل أن توافق على لقاءه. يستيقظ العقل وقد شفي بعض الشيء من الجْلالة، آتضحت الرؤية شيئا فشيئا.. آستيقظ بعد أن غفت عيناه فجأة من شدة السهر!! آستفاق ليجد الأبله كالقرد الأليف بالحديقة المجاورة لبيته ، » مُحْمّٓادْ » صاحب الدكانة الصغيرة، الحدّاد، بائعة خبز القمح، صاحب الطاحونة… الكل ينظر إليه وهو لا يبالي ، أعلن الحرب عن حيه لينصر حُبّٓه.يحاوِلُ العٓقلُ أن يحاوره قائلا أفعلتها حقاً؟ ظننتك فقط تمزح؟ماذا تفعل هنا؟ أما آتفقنا قبل يومين أنك ستعتزل هذا الحب؟ يتدخل الجسد قائلا: صحيحٌُ أنني قد آعتزلتُ اللعبة لكني سأقول كلمةٓ حق…دعني أُذٓكرك فقط يا عقلُ أنك شربت حتى الثمالة ليلة البارحة و أنت من سمح له بآستكمال اللعبة، صحيح قبل يومين كنتٓ ضده ولكنك البارحة قد وافقته الرأي، حتى أنك أنت من آختار له عطر الياسمين هذا الدي يضعه على قميصه الوردي.. ينظر القلب نظرة الطفل المعٓاتٓبِ بعد كسره شيئا غاليا،خوفا من عقاب أمه…. يصرخ العقل في وجهه : لم يعد ينفع معك التفاهم باللتي هي أحسن، أضٓفت الغدر إلى صفاتك المذمومة اليوم، قمت بتنويمي مغناطيسيا لتنفرد بنفسك كالقرد وتضع نفسك في قفص الحديقة المجاورة لبيتك مع هاته الفاشلة، والكل يولول والكل ينظر، غداً ستتركك البدينة ، ستتحتاج لعظة خبز.. ستحتاج لدرهم حلال.. فلا صاحبة الخبز ستقرضك خبزا، ولا صاحب المطحنة سيعطيك قمحا ولا الحداد سيلقم جراحك، فقط لأنك قد خسرت ماء وجهك ولا أحد سيحترمك بعد الأن …
تختلط الطرق من حول المجنون يظل ينظر إليها…. اتضح كل شيء، العانس لا تريد حباََ بل تريد تعويضاََ، تريد ثمن السنين الثي رمت بها في صف العوانس وهي تنتظر…يقول الأبله لها بكل ما أوتي من قوة: أكرهك. و كثثثثثثثثثثثثثثثثثثير من الحب وراء هاته الكلمة…
تتلقى هي هاته الكلمة ببرودة، ولولا أن كان مُحْمادْ مشغولا بالتحديق لهما، لصفعته صفعة مدوية يسمعها فرس النهر.ليس لأنه يكرهها لكن لأنها ضيعت ساعتين من وقت نومها اليوم. ينتابه الندم ولم يمضي على نطقه بالكلمة إلا خمس ثوان..لا تقلق يا صاح ! فهي لم تفهم كلمة الكره هاته إلا بمفهومها الأولي، ولا تريد أن تتعمق في معجم الألفاظ لتصل إلى ما تريد أن تعيه أنت بقولك . فكلمة أكرهك تعني أنني أغيضك ولا أريدك … فآذهب إلى الجحيم فهي لا تحبك ولم تضحي قط من أجلك، أتت إليك مشيا بدون عناء مواصلات، وحتى بطاقات الشحن أنت من كان يرسلها لها لتجيبك، آشتريتٓ الوهم لتعيش لحظاتا جميلة، الواقع مر لكنه أجمل أحيانا. فانطرد من وجهها فهي أصلا لم تعشق أحدا،ومن يعشق يتألم… يرجع المسكين باكيا في الطريق، لم يبقى له إلا جسده . يضرب سلة القمامة بقدمه حتى تتطاير أشلائها. تتقزز أعظاءه من رائحة المخلفات، تتمرد عليه أخيراً الكل أصبح ضده : أنظر ما صنعتٓهُ بنفسك و بنا يا أناني ، تمنُّ علينا بدقاتك لتمرغ وجهنا في التراب وتذلنا معك فما ذنبا نحن ؟ يقرر قرارا بليدا كالعادة يخرج من جسده معلنا أنه آعتزلهم جميعا ولن يزود أحدا بعد بقطرة من الدم. إما أن يحيا بما يريده هو و إما أن يموت الجميع.. ينفصل عن جسده، يقصد وجهة البحر تتبعه باقي أعضاءه ليس ذلا ولا حبا فيه ولكنها اعتادت على نبظاته لتعيش. أقول أنا هدا هو الحب الحقيقي !عندما يقع القلب في حب جسده فلا يعذبه أبدا من أجل جسد أخر لم يكتب له.
المهم خرجت الأمور من زمام العقل المدبر، القلب أصبح مجنونا. تجري كل الأعضاء وراءه. يصيح العقل: ها نحن نقترب من البحر فأنطقوا بالشهادة، إذا خسرنا الحياة لعلنا نكسب المماة على الأقل ، نموت نحن مسلمين ويموت وحده كافرا…
يقف الجميع أخيرا يقول العقل: أنظروا إليه كم يبدو أصغر من حبات الرمل تلك، فقدٓ كل شيء والأهم كرامته و عزته، غدٓر بأعضاءه، أتركوه ليبكي فدموعه لن تزيد ولن تنقص من البحر شيئا … يغمى على الشرايين..
يجد القلب نفسه وحيدا ليعانق جسده من جديد، يتأسف من الجميع، يقول له العقل أطلب العفو من شرايينك أولا، فهي أقرب الناس إليك، وهي أول المتضررين …
يعود العاشق وقد آجتمع بأعضائه من جديد،تصالح الكل لكنهم لا يتكلمون بعد، الأمر عادي.. يلزم شيئا من الوقت للتأقلم… تصله رسالة هاتفية و هو في الطريق، فرَحٌ بطٓعمٍ الخوفِ ، وتبدأ الفرضيات : ربما هي !! ندمت على فعلتها!! وتريد أن تعتذر…يهمس العقل : وهل يفيد الإعتذار للميت؟؟ يقول العاشق ولم يتب بعد: عذرها مقبول.. !!! فوالله إني لا أكرهها و لن أكذب على نفسي.. يتحسس هاتفه ويده ترتعش .. يفتح الرسالة ليجد أصدقاءه أصحاب مِديتيلْ آشتاقوا لزٓبونٍ وٓفِيٍّ غاب عنهم اليوم لساعات. يُذٓكرونه بعروضهم الجديدة: الرقم المفضل، ثلا ت ساعات من المكالمة داخل الوطن وليس خارجه ، مائة رسالة نصية مجانية. الخطوط مفتوحة مجانا بعد التامنة ليلا… شيء من الإغراء.. علم أخيراً مٓن حرضه على كل هذا وزٓجّٓ به في قفص العشق. يغضب، ثم يقرر لأول مرة أن يكون زبونا عاقا، يجيب الشركة في رسالة نصية يكتب لهم: لقد آعتزلت الحب. ماعدت أُحِبُ و ما عدت أُحٓبُّ وعروضكم لم تعد تغويني لقد خسرت الرقم المفضل .. لا مجيب طبعا… يقرر وضع هاتفه خارج الخدمة…
يقف لوهلة ليقرر ما سيفعله ببقاياه ؟ أيتخلص من الجثة أم ماذا؟؟ يسرح وسط دوامة من الأفكار ، الرجوع إلى الحي ! أبناء الحي ! دكاكين الحي! ماذا فعلت؟ أين كان عقلي؟ … يدخل إلى البيت وليس كما قد خرج منه في الصباح. سواد في سواد في سواد الفؤاد فارغ من ذكر الله ، تعلق بالمخلوق فأهمله الخالق. يفكر كالمجنون ، مسلسل سنوات الضياع آنتهى، لاأحد يعلم أهي النهاية أم بداية لمسلسل قادم. تأتي له أمه بكأس شاي .. يبرد الشاي في مكانه .. تتجاهل حالته و تسأله عن المهم : هل وقّٓع مدير البريد طلبك للرسمية في العمل اليوم ؟ .. يجيب:لم يأتِ المدير اليوم.. يهمس العقل:كفاك كذبا على أمك فأنت من غبت اليوم عن العمل..!!! تتوسل الأعضاء للعقل بأن يتستر عنه ، الكل منهك ، ثم إن الشرايين مريضة ، نائمة ولا داعي لإزعاجها… يدخل العاشق غرفته، يحاول النوم، يتظاهر بالنوم، يتقلب يميناً،يسارا، يستفيق، ينظر إلى الساعة العاشرة ليلا. يتدمر قائلا : العاشرة فقط!!! يأخد هاتفه يعيد تشغيله ، ينتظر رسائل العلبة الصوتية….. لا رسائل … ساعي البريد أصبح ينتظر الرسائل ؟؟؟؟ أما كنت أنت من يوصل الرسائل؟ تبا مرة أخرى لعمل لم تظهر أثر نعمته على صاحبه… النوم مستحيل الليلة الكل يعرف ، أنانية معهودة إن يفرح أو يحزن سيبقى الكل مستيقظا… تستعد أمه للنوم . يقرر العاشق الخفاش، الصعود إلى سطح البيت يجر ورائه ما تبقى منه من كرامة. يطل محاولا رصد منزلها متتبعا الأزقة و الشوارع بعين واحدة حتى لا يصاب بالحول . فهي لا تبعده كثيرا، تتخيل له كل أضواء البيوت بيتها، وأي صوت نسائي صوتها، يراها في كل نوافذ الجيران، هناك في الضفة المجاورة تجلس بين عاىئلتها وهو لوحده يتألم،السماء من فوقه و أعمدة حبال الغسيل من حوله… يتكأ على حبل غسيل أصفر علقته أمه لنشر الغسيل… يتذكر كل ما مضى به في يومه هذا … يرمي بهاتفة بعيدا… لا عنآٓ إياه بالعقيم ،لم يعد يأتي بالرسائل… يحس بالخدول ، يحس بالفشل،تنطبق عليه أغنية مسعود ، متعوسلا أحد يحبه، لا أحد يساعده، حتى مدير البريد رفض قبل يومين طلبه للرسمية في العمل بسبب آنطوائه و حجبه لابتسامة الصياح، لن يستفيد وأمه من الضمان الاجتماعي كباقي العمال. فشل في الحب الذي كان يبعث فيه بصيصا من الأمل..تدور عجلة سنينه أمامه في دقيقة ، يتذكر رسوبه في الثالتة إعدادي أربع مرات بما في ذلك طلب الإستعطاف وفي الباكالوريا حتى قاموا بطرده …جرب كل شيء ولم يفلح في شيء ولم يبقى له إلا الموت، مات بعضه لكنه لم يجرب الموت الكلي بعد… . لم يجد وقتا لذكر الله ولا للإستغفار، لم يعد يُأمن بالمعجزات. آلسماء سوداء، الليل، العتمة، قلبه ضباب أسود. النّٓفسُ يطلع بعناء ليصل لأعضاءه .آنقطع الأكسجين عن العقل، دق هذا الأخير طبل الاستسلام رافعا الراية البيضاء قائلا: آستقلت يا قلب فلم يبقى إلا أنت والليل لك القرار أخيراً ، وإن لم تستحيي فآصنع ما شئت بنفسك…القلب ،الجبان أول مرة تتاح له فرصة القرار… دائماً يختار الحلول السريعة ولا يتمهل ، يقرر أخيراً أن يٓمْدُدٓ بحبل من السماء..
حبل الغسيل الأصفر، مازال يمسك به بثبات، يتأكد من سمكه… يأتي بألة حادة و ظعتها أمه في أحد جنبات السطح آستعدادا لعيد الأضحى، يقطع الحبل ثم يأخد قياس رقبته ويعقد ربطة عنق متينة. يتركها مفتوحة يعاود قياسها على رقبته، كل شيء على ما يرام.يصل خبر موت الشرايين كالفاجعة.. ينشغل باقي الجسد بالبكاء على موتها ، يواصل العاشق عمله بتعليق الحبل بأحد أعمدة « البارابول »، يأتي بصندوق خشب صغير يضعه تحت الحبل البعيد شيئا ما عن الأرض لتتمكن رقبته من الإستقرار داخله. غريب أمر سمير هذا لم يخطط قط في حياته بقدر ما يخطط اليوم لمماته…
يضع العاشق الخطوة الأولى ثم التانية ليقترب ببطئ من الحبل. يتبسم لأول مرة سينجح في صنع شيئ دون أن يخطأ المقاس. غاب العقل فغاب التفكير طبعا لامجال للحديث معه عن رحمة الله بعبده، وعن الصبر و الأجر من هدا وأن الله سيعوظه بخير من ذاك… عميت البصيرة، جحد عشرة نفسه،يظن أنه إن مات سينتهي كل شيء… الله أعلم وربما ستكون بداية أخرى.. بدايةٓٓ لمعيشة ظنكاء أبدية… يحاول العاشق وضع الحبل على رقبته، يتعنث الحبل قائلا دعني وشأني… دعني عنك فأنا حبل غسيل شريف ولست مجرما، وإن كنت تريد الموت فأقتل نفسك بيدك. فأنا ألِفت هواء السطح ولا أقوى على رائحة السجن، وجسدي نحيف. أنا والجلاد لن نتفاهم…
يظن العاشق أن ما سمعه من الحبل هو بداية الجنون خصوصا بعد آنسحاب عقله من اللعبة. يرجع ليعاود الكرة، يجُرُّ الحبل تانية باتجاه عنقه، يضيف الحبل: فلتتمهل يا صاح !! عِشت في الذل الكل يرفضك، لم تكن لك فرصة لتختار حياتك، حصلت على فرصة أخيراً لتختار موتك، فلتمت بكرامة ولْتعتمد على نفسك في قتلها. عيد الأضحى قريب وسأُقدم لنفسي ما طاب من الأضحية.. أرجوك أن تدعني وشأني، لن أقبل برقبتك قربانا لي، أنا حبل غسيل وتلك الملابس التي رميت على الأرض هي لك، غسلتها لك أمك، علقتها فوقي صباح هذا اليوم وهي تعلق آمالها عليك، علقتها وهي تقول سيتم ترسيم آبني اليوم في العمل ، سنحصل على بطاقة تغطية أخيرا كجارتي السعيدية،وسأقوم بعملية جراحية على صمام قلبي، سأتنفس بحرية من جديد وسأتحرك من دون عناء، تم دعت لك بأن يحفظك الله لتأتيها سالما… ماذا لو صعدت فجأة وظبطتني أخنق آبنها الوحيد، ذاك الذي تنتظر منه الخلاص… ؟
تراجع الجبان قليلا… يضيف الحبل مانحآَٓ إياه فرصة جديدةٓٓ للإنتحار: إذهب وآطلب الإذن من أمِّك، وإِن وافقت تعال بين ذراعي لتنتحر…

أسماء المدير

علبة الألوان

لون الصمت

عندما كنت صغيرة، كنت أحرص في الدخول المدرسي على آنتقاء شيئين أساسيين و هما أولا محفظة « سالي » او « هالو كيتي » حسب الرسوم التي تروج خلال السنة ثم ثانيا أحسن علبة ألوان، يكون آنتقاء هاته العلبة حسب الشكل وطول الملونات وكثرتها. ثم أرمي بورقة المستلزمات لأمي و أترك لها الباقي… أي شراء المطابيع الدراسية والدفاتر والأغلفة و كل ما كنشته في ورقة الأذوات إلخ..

المهم بمجرد رجوعي للبيت أخسف بتلك العلبة خسفا،أجرب جميع الألوان ، أنجرها حتى تصل إلى النصف، إلا اللون الأبيض أرمي به جانبا لا ألتفت له أبدا، وعندما تسألني أمي لماذا رميت به أجيبها لأنه لا لون له !!!
ها أنا قد كبرت وتعلمت لماذا الأبيض لا يلون ؟ لأنه ببساطة شفاف، واضح، صريح لا يعطيك وجها اخر غير الذي عهدناه، يبقى على طبيعته ، تراه من الخارج أبيضا وهو كذالك من الداخل، لون سادج ، قنوع لا يكترث لشهرة الأحمر و لا لجبروت الأسود ولا تغره غيرة الأصفر ولا يغريه صيت البنفسجي، الملون الأبيض يتجاهله الجميع، يعاني الطغيان ولكنه مع ذلك لا يكره يبقى صامتا ويلزم مكانه مع باقي الألوان داخل العلبة ،ليس ذلا منه أن يبقى بالعلبة وهو يعلم أن لا أحد من الأطفال سيكرث لأمره ، وهو على علم بالربيع العربي أخبره بذلك صديقه الأخضر ورغم ذلك لزم مكانه ولم يفكر بالثورة. ليس ذلا منه كل هذا،أو آستهانة بكرامته ولكن تلك ثقة منه بنفسه أنه لا يدوم إلا الصفاء والطبيعة. المهم هو النهاية، أنتهي أنا من وضع شخابيطي على الأوراق، يأتي الليل تناديني أمي للنوم لأن غداً هو أول يوم دراسة،.. وأرجع الملونات إلى العلبة وقد شفي غليلي. وتعم العتمة والسكينة داخل العلبة ، حينها يضيء الأبيض بشعاع خافت ، يسترق النظر إلى باقي الألوان من زاوية فوقية، تبدو له كل الألوان قزمية، فقدت شكلها و جمالها بدت عليها ملامح الحسرة والندم والشيخوخة، لا يستهزء بها الأبيض  .. بل يكتفي بالنظر إليها ويلزم الصمت دائماً وأبدا. يتبسم في صمت لكي لا يخدش إحساس من هم بالطابق السفلي من العلبة. يتبسم احتفالا بنصره ، لقد نجا من خسفي ، بينما الألوان الاخرى قربت على الانتهاء، بثرت أعضائها،أنينها يملأ العلبة ضجيجا، جٓنتْ على نفسها …شكلها الجميل و لونها الزخرفي جلب إليها الأذى ، منجرة حديدية جديدة قضت على كل جمالها دون شفقة،بينما يستعيد الأبيض سيادته في صمت … محدثا نفسه قائلا: كلا أيتها الطفلة الشقية، الأبيض سيد الألوان، لون صامت لكن ذو كبرياء ولأنه صامت طبعوا عليه أيقونة الحزن، ألبسوه للزوجة حدادا على بعلها، ومنعوا الأطفال من ارتداءه بدعوى أنه حساس و سريع الاتساخ…

تلك هي قناعتي بالحياة ، لن أترك لها فرصة لتأكل مني وتسلبني برائتي، لن أتبع شهواتها لتعبث بمشاعري و تنجر  جسدي النحيل ، لن أسمح بالنظر إلي من زاوية فوقية، لن أسمح بشفقة من تلون بغير لونه، لذلك سأبقى على طبيعتي لا تهمني لا الشهرة ولا المال و لا المنافسة ، ولن أقارن نفسي بغيري، أنا أنا هكذا خلقت وأعود بالله من قول أنا. كل ما يهمني أن ألقى الله بقلب أبيض سليم . وأن يُقرأ كتابي علنا ونفسي حينها حسيبة علي 🙂

اللهم اجعل أكبر همي الأخرة 🙂

أسماء المدير

زير الطاولات و خبز الفقراء

كتبت هذا النص بالقرب من مطار آسطنبول الدولي ، « إلى كل أنثى أحست يوما بالإهانة »

في طريقي إلى زيارة قبر جدي أحسست بالعطش، تذكرت حينها أنني لم أفطر بعد، ساقتني حاسة الشم إلى رائحة « السْفنج المغربي » ، تحركت عيناي لترصد زاوية آنبعاث الرائحة، إنه مقهى عمي مبارك الشعبي. اقتربت و طلبت الطفل الصغير أن يأت لي بما هو موجود، علي أن أسرع سيقفل باب المقبرة قبل صلاة الجمعة. كان المكان فارغا بقايا لعبة الشطرنج ورائحة الشيشا والسجائر تملأ ان  المكان،صورة المنتخب الوطني علقت كبيرة كتب عليها  بالخط العريض الأحمر   » ممنوع التدخين « ،  بزغ النهار ولم يتخلص المكان بعد من بقايا رائحة الليل الظنكاء. عيناي مازالتا تتفقدان المكان ، هده أول مرة أدخل فيها مقهى عمي آمبارك، كان يصلني فقط ضجيج « صحاب الضامة والتيرسي ».
كنت أبحت عن مكان أتوارى فيه عن الأنظار، أريد فعلا أن أفرح بطني  » بسفنج » طري و شاي ساخن، بدراهم معدودات، ولكن في نفس الوقت لا أريد أن يراني أحد من الجيران والمارة، هدا مكان لمزاولي مهنة الميسر،ولا يصلح للفتيات مثلي.أبحت بين الطاولات ومواقعها الاستراتيجية، هذه طاولة نظيفة لكنها جاءت في موقع الإستقبال، هذه طاولة أخرى مختبئة ولكن بها أربع مقاعد. ماذا لو دخل أبناء الحارة وأرادوا الجلوس لن أقدر على منعهم!!
عيناي ما زالتا تمسحان المكان بتلاتمائة وستين درجة، وقعت عدسة عيني أخيرا عن طاولة شبه معزولة ،وحيدة، نعم طاولة ذات كرسي واحد…
أثارني الفضول ، عادة لا توجد طاولة بكرسي واحد لأن الحياة لا تعاش بدون مشاركة فما بال هاته الطاولة؟
آقتربت منها بثأن ، سلمت فلم تجب،آنطوائها منعها من التحديق إلي . بأمر منها بادر كرسيها المخلق بآستقبالي، عاد الى الوراء خطوتين ففهمت أنه يوحي لي بالجلوس ، جلست أرادت أن تتفوه بشيئ تم سكتت فجأة، إنه الطفل قادم مرة تانية ليسألني: ماذا تحبي لتشربي مع « السفنج » ،أجيبه بسرعة شاي وبدون نعناع، ينصرف الطفل ، أتجاهل الطاولة وأنا أعلم أنها هي من سيبادر بالكلام ، الأنثى لا يروق لها النميمة إلا مع الأنثى مثلها ، أرادت أن تستفزني قائلة: هل لكي أن ترفعي ساعدك الأيمن قليلا عني لقد أوجعتي ظهري! وأرجوك أن تتمهلي على كبدي؟ علمت أنه نوع من ice breaker، فأجبتها بقليل من السخرية ردا على استفزازها: تكلمي أسمعك وبدون مراوغات:  مابالك مختبئة، وحيدة ، مهملة؟ حتى صاحب النظافة لم يجد عليك بمسحة من منشفته!! لا جواب..

  أعجبني كبريائها ، الصمت يعم المكان تنبعت أغنية أم كلتوم  » حسيبك للزمن »  من مذياع قديم علق بأحد جدران المقهى الصغير، تتكلم الطاولة أخيرا: لا أحب هاته الاغنية !

مابالك يا طاولة ليس في الوجود من يكره أغاني أم كلثوم؟ تجيبني بلغتها الأم، لغة الخشب : أريد النسخة القديمة من بعض القلوب، تحديثات الزمن لم ترقني إطلاقا. لم أفهم فلسفتها كالعادة ولكن لأول مرة أسمع لغة الخشب من أصحابها الحقيقيين. يصل الطفل أخيراً و في يده ما طلبت، أمسك « بالسفنج » أولا من يده، ينصرف النادل الصغير ، تصيح الطاولة لا تضعي خبزك فوقي فقد سكب أحدهم كأس النبيذ على ظهري ليلة البارحة، ووجهك يوحي لي بأنك عفيفة… ظننت أنها تريد فقط التقرب مني أكتر، غريب أمر هاته الطاولة تريد أن تفصح عن ألمها وتمنعها كرامتها. المهم يجيء عامل المقهى بمنشفته ليمسحها فيتأكد لي ما قالت.

أتبسم لصراحتها وخوفها علي،أنهمك في أكل « السفنج » أنساها قليلا، فأسمع همس شفتيها كالعجوز ،ردا على تجاهلي : جميعكم متشابهون … تضيف: تحتسون كؤوسكم على ظهري، تشبعون،تضحكون تم تنصرفون… أرييييييد أن أسسسسستمتتتع بفطوريييييي!!! كان هذا ردي عليها بلطف لكن بصرامة.

الثامنة و عشرون دقيقة، يلزمني ساعتان لأصل إلى مقبرة الشهداء بالدار البيضاء، طاولة عنيدة تريد أن أفهم ما بها دون أن تتكلم بلغتي ، أضيف لتصمت: عذرا فأنا لم أتعلم لغة الخشب قط، هذا يوم جمعة فآدعي ربك أن يبعث إليك بأحد رؤساء الأحزاب حتما سيفهمك، أما أنا فجدي آعتاد على سماع دعواتي له في كل جمعة، علي أن أُشبع بطني لألحق وقت القطار. تضيف غير أبهة بكل ما قلت:  كلكم خائنون.. أضع ما بيدي بغضب على ظهرها وأصيح في وجهها: أيمكنك أن تجودي علي بقليل من السكوت؟ أتعرفينني؟ ما ذنبي هذا الصباح حتى أصادف مثلك؟ رأسي يألمني، أريد أن أتذوق طعم الشاي وأن أستمع لأم كلثوم،لا أفهم في السياسة،  أفهمت أم لا ؟؟؟  يرفع عامل المقهى من صوت المذياع لتنبعث هاته الكلمات منه 🙂 :
 » وانت مش ح تلاقى ابدا زى حبي،
بكره تتمناني أحاسبك
أو ألومك أو اعاتبك
مش ح حاسبك مش ح أعاتبك
لأ دنا كفاية إنى سيبتك للزمن »…
ينتابني الندم على فعلتي، لقد ألمتها حتما بوضع الكأس على ظهرها بقوة، مافيها يكفيها…. ربما لا ينفع الندم . المهم برد شايي و خبزي لم يعد يرقلي الأكل. هٓمُّ الطاولة أقفل شهيتي. لعنة عضة « السفنج » هاته  تلاحقني، وضعت فطوري جانبا، اقتربت من الطاولة مسحت ما سكبت عليها من شاي وقلت بلطف: تكلمي أذني معك و بدون لغة خشب من فضلك…
يدخل عامل المقهى ببعض الكراسي ليضعها أمام طاولاتها، تقول صديقتي: أترين ذاك الكرسي الجميل ؟ ألتفت ثم أعود لأقول لها كلهم متشابهون !! نفس المادة ونفس الطلاء!! ربما عيناك من تراه جميلاً؟ فعلى أيهم تتحدثين؟ قالت ذاك الكرسي في يد النادل اليمنى… أجيب: نعم ما به؟ تجيب: كان شريكي لي في الحياة منذ سنين، كان يحمل نفس لون طلائي ويتقاسم نفس همي كنا نعيش بسلام، أنا هو وآبني..قاطعتها: وأين آبنك؟ أجابت : عليه تجلسين.
!!! حاولت أن أقف من مكاني بذعر يا للعار!! آأجلس على آبنك ؟ تجيبني أما أخبرتك بأن تتمهلي على كبدي؟؟ لاعليك !! منعتني من الوقوف مضيفة: لقد تركنا وذهب ليعيش حياة العزوبة، لم يبدي أبدا ندمه و حسرته على خسارتنا… يجر النادل الكرسي فيحدث صوتا عاليا. تقول الطاولة : آستمعي لقهقهته،و انظري لسعادته، فهو لا يأبه لطعنات قلبي، ينام طفلي وأبيت أنا أرْقب تنقله بين الطاولات، من طاولة لأخرى حتى ينجلي الليل فينام على بطنه…همه الوحيد أن يغيضني…قلت لها لماذا لم تصبري من أجل ابنك المُخٓلق هذا؟ سكتت قليلا.. عادت للغتها الأم وقالت قولتها الشهيرة: مملة هي الوحدة لكنها أكثر إنصافا من ضجيج يمتلأ نفاقا…
فهمت أنها لن تتحدث أكثر من هذا، المقبرة؟؟ القطار؟؟؟ المكان بدأ يمتلأ بأصحابه الأصليين، ،كنت أرى أنواع الوافذين فقط من خلال أحذيتهم، إختلطت الأرجل من حولي علي أن أمضي … وقفت ، عرجت بالخروج ،وضعت دراهمي على ظهرها، صاحت :أنت!! ظننتها تريد أن تودعني، فقالت: خدي دراهمك وضعيها في جيب صاحب المقهى، حتى لا يراها شريكي السابق فيظن أنني قد آمتهنت التسول…

  علمتني الطاولة أن الخيانة هي أعظم إهانة يمكن أن تتعرض لها الأنثى وتعلمها لغة الحقد، حتى ولو صنعت من خشب… 🙂

يتبع…  » قبر جدي الصياد يطل على البحر »

أسماء المدير

قبر جدي الصياد يطل على البحر

تتمة نص خبز الفقراء …

وصلت إلى المحطة ، أخدت تذكرتي وجلست أنتظر، سيأتي قطاري بعد تُلث ساعة هدا ما كُتب على السبورة الإلكترونية. كانت القطارات تمر كل اللحظات من أجل المنتظرين لكنها لا تجبر أحدا على الركوب .نوع من الحرية هذا. أحسست بالملل لأنني كُنت أنظر إلى الناس بالمنطق،  رجل يحمل تذكرته، ويٓجرُّ حقيبةََ، كبيرةََ عرجاءَ بعجلةٍ واحدة، يتذمر كلما ثعترت به، يقصد عامل المحطة،يسأل عن القطار المتوجه إلى الغرب ، يجيبه العامل ذاك الذي في السكة الثانية، الرجل يؤكد: السكة 2 ؟ يجيبه العامل : نعم سيدي، يمضي خطوتين، لا يصدِّق العامل ويعيد طرح نفس السؤال على أحد المسافرين، يرسله المسافر أخير إلى قطار آخر في السكة رقم 1 .يقصده الرجل . لا أحد يصدق عمال الدولة!  يرحل قطار السكة التانية، تُرمى حقيبة سوداء بقوة من أحد أبواب القطار المتوقف. تعرفت على الحقيبة ، تلك العرجاء.. السوداء، الضخمة، نعم هي نفسها، ثم ينزل صاحبها من قطار السكة 1 شاكيا، لا يرحم ضعف و لا إعاقة حقيبته، يجرها بقوة  باتجاه العامل، يمرغ وجهها في التراب وهو يصرخ في وجه السلطة و الدولة قائلا: لو كان هيتلير لايزال حيا لنبدكم جميعا، أنتم غير منظمين، لمادا دللتموني على قطار لا يقصد وجهتي ؟؟ …يتبسم شيخ من المسافرين قائلا  ومن فينا سلك قطار وجهته الصحيح في هده الحياة؟ المهم لم يعجبني المنطق كثيرا، أخدني من النقطة أ إلى النقطة ب .النتيجة نحن شعب مصاب بآنفصام مزمن في الشخصية.  أفضل العودة إلى الخيال، يأخذني الخيال إلى كل مكان..،تنطلق جميع القطارات، يخف زحام المحطة حتى تخلى تماماً . سيدة محجبة، كئيبة،تجلس بجانبي ،لا تكترث لما يحدت. تحمل حقيبة مدرسية لطفل صغير، وصندوق صغير من الحلوى، تبتسم فقط في وجه الأطفال. ربما تنتظر زوجها ليأتي بطفلها؟  ربما تنتظر نفس قطاري..  ركبت القطار تعثر في السير في أولى عشر دقائقه ، شيء عادي لا أحد يتذمر. مع استأنافه السير، انتشر صوت نسائي مخدوش منبعث من مكبرات صوت صغيرة ، جلها يحدث صوتا مزعجا، ثُبتت في سقف مقدمة، ووسط القطار وآنْتُشِلتْ من مؤخرته لأنها مقصورة الدرجة الأولى ولا تتحمل الإزعاج، وهناك شخص يشتغل عوض هاته المنبهات خصيصا ليوقظ الأغنياء عند وصولهم. المهم أطلقت مكبرات الصوت صفارات إنذار معلنة عن المحطات التي سيمر بها القطار،  وصولا إلى مدينة الدار البيضاء، أحمد الله أني أعرف وجهتي لأن هاته المكبرات في النهاية لم تقل شيئا مفيدا …لايهم نحن شعب الدرجة الثانية وصلنا أم لم نصل لا أحد سيوقظنا و لا أحد سيسجل غيابنا …

آخترت مكاناً بمقعدين فقط تفاديا للدخول في حوارات أنا في غنى عنها. كان همي الوحيد أن أصل قبل وقت صلاة الظهر لأتمكن من دخول المقبرة…

دخلت المقبرة بدون مشاكل مع الحارس، اكتفيت فقط بالسلام عليه، سألني كالعادة هل تحتاجين لمقرئ، قلت لا سأكتفي اليوم بالدعاء. مضيت تاركة إياه في صراع مع سيدتان ، تحملان أكياسا. ربما تريدان دخول المقبرة لأسباب أخرى. تلاشى صوت الشجار مع آبتعادي من المدخل.أمرُّ بموكب جنازة ، وافدة أو وافد جديد،المقبرة المكان الوحيد الذي لا يعرف الإفلاس. يقوم الحفار بعمله، حفرة ضيقة لا تتسع لحوض سمك.

أبتعد قليلا أحاول تذكر الطريق إلى قبر جدي، لم يغريني صمت القبور لآني لا أعلم إن كان أصحابها في نعيم أم جحيم العلم لله. سلمت على الجميع كما علمني جدي قائلة: سلام عليكم يا أصحاب القبور أنتم السابقون ونحن اللاحقون .لا مجيب. أخدت قِدر الماء لأٓرشّٓه على قبر جدي. صمت رهيب  يخيم على هذا المكان،أحسست بضعفي وقوتي في نفس الوقت. ضعفي لآني ولو فررت الى بروج مشيدة هذا هو مسكني الأبدي، ولا أحد سيمنع عني عزرائيل إن أتى بخبر آنقضاء أجلي. أما إحساسي بقوتي فكان إحساسا ربانيا، أن الله لا يزال يمنحني روحا أتحكم في حركاتي الإرادية . بينما هؤلاء خرجوا عن السيطرة على أنفسهم، تحدّٓيت أٓحدهم أن يقوم بمحض إرادته ويقرر اليوم أنه سيأكل السفنج عند مقهى عمي أمبارك  .. كلا إنها كلمة هو قائلها، لقد آنقطعتْ أعمالهم الدنيوية وبات عليهم ان ينتظروا رحمة الأحد، الصمد.

جاء على بالي دعاة الانفتاح، أينكم يا منظمات الحرية كيف تسمحون بهدا الإحتجاز؟ لماذا لا تحققون في خبايا هاته الإبادة الجماعية؟ كيف تبررون عدم قدرة هؤلاء على الإستيقاظ؟ ، الساعة تشير الى الحادية عشر والنصف صباحا و هم لازالوا نيامآٓ وهكذا يفعلون دائماً، جدي من بينهم، وعادة في هاته الساعة يكون قد عاد محملا من البحر …مالي لا أرى صاحب الإحصاء بمحفظته البيضاء كما تركته في حينا؟  أينكم يا من تدعون لحرية المرأة تتحايلون على النساء، تبنون مقراتكم وسط المدينة وتتركون المقابر بجانب البحر،لتتخلصوا من رائحة الموت.  كل مقابرك يا مدينتي شيدت على جنبات البحر، جدي يعشق البحر لكنني استنتجت أن دعاة الحرية يٓفْصِلون بين العالمين بضجيج أمواج البحر،  ليحجبوا عنا عالمنا هذا الحقيقي، إلى أن تتحقق الآية  » لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ». صدقت يا ربي.. .

حينها قررت كأنثى، تبرأت من كل من يريد أن يحررني و ينزع ثيابي عني بدافع الديمقراطية. تأكد لي أنها مجرد كلمات أنتجتها الدول لتتناسى مصيرها الحقيقي. تتحدثين يا منظمات عن الحرية و الديمقراطية فهل لكي أن تشرحي لي أين نصيب هؤلاء من دمقراطيتك التي وضعتها مسطرتك؟ علمتني دروس التربية على المواطنة أن الدمقراطية هي  حكم الشعب » لنفسه . فما بال هؤلاء فقدوا الحكم عن أنفسهم ؟ . قررت الترشح أخيراً لحزب الله وأن أتخد القرآن دستورا لي، وإن فزت بالأغلبية، لن أعد أحدا بأني سأقوم بالقضاء على الفقر ولا إنشاء الجامعات ولا تغيير مجاري الأزقة، سأرفع فقط حصار الأمواج الوهمي وسأعلن بناء المقابر وسط المدينة علنا. حتى تتلاشى سياساتكم الوهمية ويتذكر الجميع مأله الأبدي. فقط للذكرى… وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.

ما كان علي لأنفعل،تأخرت ، ضيعت قبر جدي وما أريده ليغضب مني !. عندما كان يسألني أحدهم عن منزل جدي في حياته، أقول له ذاك ذو الطابق الواحد، بالقرب من تلك الفيلا الجميلة فيقصده بثبات، الأن في المقبرة  لم أجد من أسأل. و إن وجدته ما أصاب قبر جدي.كل القبور متشابهة، شهدت اليوم أول دروس العدل في تقسيم الثروة. هذا هو المعنى الحقيقي للديمقراطيه ، الوزير والرئيس والملك والراعي وجدي الصياد الكل يفترش التراب ويُغطّٓى بالحجر. ولا أٓحدهم يتذمر ومن يدري بهم الله أعلم…

أخيراً وجدت قبر جدي، ذلتني عليه شجرة الليمون الميتة هاته.رن هاتفي ترددت تم أجبت ، إنه المسؤول المالي لمؤسسة الضحى يسألني هل أريد أن تطل شقتي التي آشتريت منذ أيام ، على الشارع أم على الحي، علي أن أقرر لأستلم المفاتيح في الأسبوع الموالي، نظرت إلى قبر جدي تبسمت وتذكرت أنه كان يملك منزلا هو كذالك فلماذا آنتقل من العمران إلى الخراب؟ لما لم يلزم بيته أوليس من ماله الحلال؟ يصيح المسؤول في الهاتف : آلو ! أين ذهبت؟  أجيبه أنا هنا سأختار الخيار الثالت، قال: خيرتك آتنين فقط! قلت : سأضيف أنا الخيار الثالت و سأ تخلى عن منزلي هذا، إني لا أقوى على حرب من الله ورسوله. لن أشتري منزلا بالربي لأتركه أخيراً وأنام على التراب. تعجب الرجل وأقفل الخط. تركته وشأنه فليقل ما يريد،مجنونة نعم.. أصلا لم أعد أصدق أحدهم…

ما كان علي لأنفعل ثانية، آرتجع حمض معدتي، تشجأت طعم السْفنج والشاي ، أحسست بمرارة في حلقي. علي لأهدأ من روعي لأتذكر الدعاء…

بدأت برش الماء فوق قبر جدي وتذكرت حينما كان يطلب مني رش السمك ليبقى حيا، علمت أنه كان فقط يتحايل علي ليشغلني بفعل شيء،  الصيد ممل. والأطفال يكرهون الملل. كبرت و علمت أخيراً أن السمك إذا خرج من الماء يموت.  قتلت أنا و جدي الكثير من السمك شاركته في جرائمه مرات عديدة.لن أسلم نفسي فليحكموا عني غيابيا…

بدأت بالدعاء لجدي بما كان يحفظني، لم أجتهد في شيء فقط بضاعته ترد إليه. فجأة سمعت صوتا رقيقا مختلطا بالدموع يقول: كالعادة أنا سأغني وأنت ستطفأها… آنتابني شيء من الهلع، لا أؤمن  بالأرواح الشريرة لأن دستوري لم يسطرها في كتابه. رصدتْ عيني القبر المجاور لجدي ، ماذا تفعل تلك السيدة هنا..؟ رجعت بي الذاكرة تلات ساعات إلى الوراء .. نعم تلك التي تبتسم فقط للأطفال ما تصنع هنا ؟ و لماذا تبكي؟ آقتربت منها ظننتها تريد أن تحرق ذاك القبر لكنها كانت تحاول فقط إشعال شمعة منعها من ذلك ريح البحر، آقتربت منها من دون أن أكلمها وضعت كفي حول عود الثقاب لكي أحجب عنها الريح. نظرت إلي وغرست الشمعة في القبر، ثم أخرجت قطعة الحلوى من قالبها ،الحلوى كتب عليها آسم محمد والرقم 7 . أخبرتني أن عيد ميلاد آبنها محمد هذا يصادف الدخول المدرسي، أول سنة لطفلها في المدرسة الابتدائية . لذلك آشترت له محفظة سبايدرمان أيضاً كهدية . سألتني ما عملك قلت:مخرجة، قالت: إذن تعرفين الرسم قليلا. قلت: لا ولكن أقوم ببعض المحاولات ، قالت: هل لكي أن ترسمي وجه البهلوان على قبر آبني إنه يعشق ذلك. تتكلم عنه كما لو أنه لايزال حيا!!! تمسح دموعها ؟ قائلة هل لكي  أن تحتفلي معنا؟ أقول في نفسي أي آحتفال هدا وسط المقبرةأي آحتفال بطعم الدموع…؟ كم عمر طفلك؟ تجيب:7سنوات. أنا:  فقط؟ مابال هذا الموت لا يرحم أحدآٓ، كيف يحكم هذا الموت ؟ طفلك مازال صغيرا، جدي مات وعمره أكتر من  70 سنة، والأن هو يرقد بجوار طفلك،  آستغفرت الله وتذكرت قوله، « وإن جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون « ، حاولت أن أشرح لها أن ما تقوم به ليس صحيحا وعليها أن تكتفي بالدعاء له فقط لكنها أم ،والأم عادة لا تؤمن بمثل هاته النصائح…

حينها وضعت حدآٓ لآشتياقي، عندما علمت قصة هاته الأم التي تشتاق لطفلها، فتذهب تقف أمام الروض في نفس الساعة كل يوم ، تنتظر خروجه و الأطفال،  وهي تعلم مليآٓ أن سيارةٓٓ قد دهسته قبل أسابيع . وتلك الأم هي نفسها من دفنته بيدها. و تلك اليد هي نفسها من تصنع حلوى الشوكولاتة لعيد الميلاد كل سنة لتحتفل به في المقبرة.فمن له حقّ الاشتياق؟

ذكرني قبر جدي أن الموت آت لا محالة، وعلمتني أم مُحَمَّدٍ أن من يرحل لا يعود، و خير دليل هو هذا الطفل البريء أغريناه بكل مايحب من حلوى الشوكولاتة و رسم البهلوان،ومحفظة سبايدرمان.. فقط لينهض ويحتفل معنا، ومع ذلك أبى أن  يستيقظ… عذراً، الأمر لم يعد بيدي يا أمي …

أذان الظهر الأول، علي أن أترك المقبرة وإلا قضيت الليل فوق قبر جدي…

اللهم اجعل أكبر همنا  الآخرة.

 🙂 أسماء المدير

لغتي عزتي…

ليس خيالا ولكنها قصة حقيقية :

إلى كل أصدقائي :
أصدقائي الدين يستفسرون عن سر بداية كتابة خواطري الصغيرة، على حائط غرفة سجني الفايسبوكية باللغة العربية في الآونة الأخيرة. سأبوح لكم بقصة صغيرة حصلت معي. أولا و قبل كل شيء فدراستي الأولية كانت كلها باللغة العربية من السنة الأولى إبتدائي إلى الباكالوريا، درست الفلسفة وقواعد اللغة والشعر، حفظت شيئا من المعلقات ونسيتها. ثم إن أبي كان حريصا جد الحرص على تلقيني لغة القرآن لكريم. ذهبت إلى المسيد أنا كذلك كما أمر بذلك جلالة المغفور له الحسن التاني رحمه الله والدي وباقي المغاربة المغاربة.
لكن السر الأساسي وراء كتابتي باللغة العربية الأم هو هاته القصة: بحكم مهنتي كمخرجة و مُوظِّبٓة شابة، ذهبت إلى أمريكا مؤخراً للجامعة الصيفية بأحد أكبر مدارس السينما. الكل يتكلم الانجليزية كالبرق ولا شيء غير الانجليزية و ليست أي انجليزية بل تلك  » ديال ميركان ماشي ديال آسبانيا » .
المهم كان علينا في حصة « script doctoring » أن نقوم بكتابة نص وترجمته الى الصورة.الكل يكتب ويصحح، يحصل على أفكار جديدة كلما حصل على فرصة لقاء مع أحد المؤثرين الأكفاء، ومنهم من انتقل إلى تصوير الفكرة … وأنا، أنا العربية المسكينة لم أتمكن بعد حتى من كتابتي الأولى. الأفكار تتضارب في رأسي بلغتي وأبت أن تستسلم و تخرج بلغة غير لغتها،جاءت مؤطرتي و خاطبتني ؟ أين أنت من الكتابة ؟ قلت لازلت أبحث عن بعض المفردات. تعجبت لكلامي، رمقتُ هذا من خلال ملامحها التي تغيرت وكأن لسان حالها يقول: ما لهذه الشابة لم تفهم التمرين!!! أنا أطلب منها أن تحكي لي قصة !!! فما دخل المفردات ؟؟؟ قامت بوضع إطلالا على ورقتي فلم تجد جملة مفيدة، التشطيبات أكثر من الكلمات الصحيحة. شعرت بالخجل وتمنيت حينها لو تنشق الأرض وتبلعني . تنهدت ثم قالت: ما لغتك؟ قلت العربية. فأجابتني : آكتبي بلغتك. قلت لها لن تفهمي ما سأكتب!! قالت : وهل ستفهمي أنت ما ستكتبين؟ قلت نعم، بالطبع. قالت: إذن آكتبي بلغتك فأنا أريدك أنت أن تفهمي، وترجمي لي ما كتبتيه بالصورة فيما بعد.إني أريد أن أتفرح على كتابتك. هذا معهد للسينما،الصورة لغة عالمية وسأفهمها حتما. تم أضافت: آنظري إلى أصدقائك هم نجحوا في التقدم عليك لأنهم يكتبون بلغتهم ولا يضيعون الوقت في البحت عن المفردات والنحو وقواعد اللغة. اللغة ما هي إلا وسيلة فأرني غايتك، فغايتك ما يهمني….
فرحت بهذا الخبر الذي أثلج صدري و أطلقت العنان لقلمي أنا أقول في نفسي :يا للعجب جأت لأمريكا لأتعلم الكتابة باللغة العربية وفي بلدي تعطى الأولوية والقيمة لما و لمن يكتب بلغة أخرى لكن إلا العربية. أين الخلل ؟ ما عدت أريد لأعرف . وجدت ضالتي، عثرت على مفتاح أفكاري . وقررت أن أُخرجها للمزاد العلني . منذ تلك اللحظة و أنا أعيش على إيقاع لغتي . حياتي عادت إليها حياتها. أحسست بقشعريرة حينها، أخيرا بدأت الأفكار تتطاير من كل حدب وصوب، تخرج من عقلي طوعا بالفطرة دون أي مجهود. علمت حينها أن أفكاري لم تكن عنيدة بل كانت فقط تريد رد الإعتبار لكرامتها. بمجرد ما أحست بحنيني إليها رفعت عني الحصار وآستسلمت لحرب قلمي. شعرت بدعوات الخير من سيبويه ومن أبي الأسود الدؤلي وقررت أن أكتب بلغتي. لألحق بالناجحين تبت من ذنبي والتائب من ذنبه كمن لا ذنب له. أنا لست فرنسية ولا أمريكية ولن يكون لي ذلك أبدا. أنا مغربية أبي و أبوكم أجمعين سيدنا آدم عليه السلام، منّٓ عليه الله وعلمه الأسماء كلها وجميع اللغات. فلا عيب آن تعلمت شيئا من الفرنسية والإنجليزية أو غيرها من اللغات، والأجمل إن أتقنتها. لكنني قررت أن أعطي لغتي أعلى مراتب تفكيري ، سأعبر و سأفجر طاقاتي بالعربية أولا و أخيرا…
لا تنسوا نحن نبكي ونضحك بلغتنا حتى وإن أردنا طمسها، وهذان الإحساسان هما أعظم شيء في الانسان…

أسماء المدير